بسم الله الرحمن الرحيم
الغزو الفكري
أسئلة وأجوبة
الإمام الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله
مكتب الدعوة و الإرشاد بسلطانة*
س1:ما هو تعريفالغزو الفكري في رأيكم؟
ج:الغزو الفكري هو مصطلح حديث يعني مجموعة الجهود التي تقوم بها أمة من الأممللاستيلاء على أمة أخرى أو التأثير عليها حتى تتجه وجهة معينة. وهو أخطر من الغزوالعسكري؛ لأن الغزو الفكري ينحو إلى السرية وسلوك المسارب الخفية في بادئ الأمر فلاتحس به الأمة المغزوة ولا تستعد لصده والوقوف في وجهه حتى تقع فريسة له وتكوننتيجته أن هذه الأمة تصبح مريضة الفكر والإحساس تحب ما يريده لها عدوها أن تحبهوتكره ما يريد منها أن تكرهه. وهو داء عضال يفتك بالأمم ويذهب شخصيتها ويزيل معانيالأصالة والقوة فيها والأمة التي تبتلى به لا تحس بما أصابها ولا تدري عنه ولذلكيصبح علاجها أمرا صعبا وإفهامها سبيل الرشد شيئاً عسيراً.
س2: هل يتعرض العرب عامة والمملكة خاصة لهذا النوع منالغزو؟
ج: نعم يتعرضالمسلمون عامة ومنهم العرب لغزو فكري عظيم تداعت به عليهم أممالكفر من الشرق والغرب ومن أشد ذلك وأخطره:
1-الغزو النصراني الصليبي.
2-الغزو اليهودي.
3-الغزو الشيوعي الإلحادي.
أما الغزو النصراني الصليبي فهو اليوم قائم على أشده، ومنذ أن انتصر صلاح الدينالأيوبي على الصليبيين الغازين لبلاد المسلمين بالقوة والسلاح أدرك النصارى أنحربهم هذه وإن حققت انتصارات، فهي وقتية لا تدوم؛ ولذا فكروا في البديل الأفضلوتوصلوا بعد دراسات واجتماعات إلى ما هو أخطر من الحروب العسكرية وهو أن تقوم الأممالنصرانية فرادى وجماعات بالغزو الفكري لناشئة المسلمين؛ لأن الاستيلاء على الفكروالقلب أمكن من الاستيلاء على الأرض فالمسلم الذي لم يلوث فكره لا يطيق أن يرىالكافر له الأمر والنهي في بلده؛ ولهذا يعمل بكل قوته على إخراجه وإبعاده ولو دفعفي سبيل ذلك حياته وأغلى ثمن لديه، وهذا ما حصل بعد الانتصارات الكبيرة للجيوشالصليبية الغازية، أما المسلم الذي تعرض لذلك الغزو الخبيث فصار مريض الفكر عديمالإحساس فإنه لا يرى خطرا في وجود النصارى أو غيرهم في أرضه بل قد يرى أن ذلك منعلامات الخير ومما يعين على الرقي والحضارة، وقد استغنى النصارى بالغزو الفكري عنالغزو المادي؛ لأنه أقوى وأثبت وأي حاجة لهم في بعث الجيوش وإنفاق الأموال مع وجودمن يقوم بما يريدون من أبناء الإسلام عن قصد أو عن غير قصد وبثمن أو بلا ثمن؛ ولذلكلا يلجئون إلى محاربة المسلمين علانية بالسلاح والقوة إلا في الحالات النادرةالضرورية التي تستدعي العجل كما حصل في غزو أوغندة أو باكستان أو عندما تدعو الحاجةإليها لتثبيت المنطلقات وإقامة الركائز وإيجاد المؤسسات التي تقوم بالحرب الفكريةالضروس كما حصل في مصر وسوريا والعراق وغيرها قبل الجلا.
أما الغزو اليهودي فهو كذلك؛ لأن اليهود لا يألون جهداً في إفساد المسلمين فيأخلاقهم وعقائدهم، ولليهود مطامع في بلاد المسلمين وغيرها، ولهم مخططات أدركوابعضها ولا زالوا يعملون جاهدين لتحقيق ما تبقى، وهم إن حاربوا المسلمين بالقوةوالسلاح واستولوا على بعض أرضهم فإنهم كذلك يحاربونهم في أفكارهم ومعتقداتهم؛ ولذلكينشرون فيهم مبادئ ومذاهب ونحلا باطلة كالماسونية والقاديانية والبهائية والتيجانيةوغيرها ويستعينون بالنصارى وغيرهم في تحقيق مآربهم وأغراضهم.
أما الغزو الشيوعي الإلحادي فهو اليوم يسري في بلاد الإسلام سريان النار فيالهشيم نتيجة للفراغ وضعف الإيمان في الأكثرية وغلبة الجهل وقلة التربية الصحيحةوالسليمة، فقد استطاعت الأحزاب الشيوعية في روسيا والصين وغيرهما أن تتلقف كل حاقدوموتور من ضعفاء الإيمان وتجعلهم ركائز في بلادهم ينشرون الإلحاد والفكر الشيوعيالخبيث وتعدهم وتمنيهم بأعلى المناصب والمراتب فإذا ما وقعوا تحت سيطرتها أحكمتأمرها فيهم، وأدبت بعضهم ببعض وسفكت دماء من عارض أو توقف حتى أوجدت قطعانا من بنيالإنسان حرباً على أممهم، وأهليهم وعذابا على إخوانهم وبني قومهم، فمزقوا بهم أمةالإسلام وجعلوهم جنودا للشيطان يعاونهم في ذلك النصارى واليهود بالتهيئة والتوطئةأحيانا وبالمدد والعون أحيانا أخرى، ذلك أنهم وإن اختلفوا فيما بينهم فإنهم جميعايد واحدة على المسلمين يرون أن الإسلام هو عدوهم اللدود؛ ولذا نراهم متعاونينمتكاتفين بعضهم أولياء بعض ضد المسلمين فالله سبحانه المستعان وهو حسبنا ونعمالوكيل.
س3: ما هي الوسائل التي يستخدمها الغرب لترويج أفكاره؟
ج: الوسائل التي يستخدمها الغرب لترويج أفكاره كثيرة منها:
1-محاولة الاستيلاء على عقول أبناء المسلمين وترسيخالمفاهيم الغربية فيهالتعتقد أن الطريقة الفضلى هي طريقة الغرب في كل شيء سواء فيما يعتقده من الأديانوالنحل أو ما يتكلم به من اللغات أو ما يتحلى به من الأخلاق أو ما هو عليه من عاداتوطرائق.
2-رعايته لطائفة كبيرة من أبناء المسلمين في كل بلد وعنايته بهم وتربيتهم حتىإذا ما تشربواالأفكار الغربية وعادوا إلى بلادهم أحاطهم بهالة عظيمة من المدحوالثناء حتى يتسلموا المناصب والقيادات في بلدانهم وبذلك يروجون الأفكار الغربيةوينشئون المؤسسات التعليمية المسايرة للمنهج الغربي أو الخاضعة له.
3-تنشيطه لتعليم اللغات الغربية في البلدان الإسلامية وجعلهاتزاحم لغةالمسلمين وخاصة اللغة العربية لغة القرآن الكريم التي أنزل الله بها كتابه والتييتعبد بها المسلمون ربهم في الصلاة والحج والأذكار وغيرها، ومن ذلك تشجيعالدعواتالهدامة التي تحارب اللغة العربية وتحاول إضعاف التمسك بها في ديار الإسلامفيالدعوة إلى العامية وقيام الدراسات الكثيرة التي يراد بها تطوير النحو وإفسادهوتمجيد ما يسمونه بالأدب الشعبي والتراث القومي.
4-إنشاءالجامعات الغربيةوالمدارس التبشيرية في بلاد المسلمين ودور الحضانةورياض الأطفال والمستشفيات والمستوصفات وجعلها أوكارا لأغراضه السيئة وتشويقالدراسة فيها عند الطبقة العالية من أبناء المجتمع ومساعدتهم بعد ذلك على تسلمالمراكز القيادية والوظائف الكبيرة حتى يكونوا عونا لأساتذتهم في تحقيق مآربهم فيبلاد المسلمين.
5-محاولة السيطرة علىمناهج التعليم في بلاد المسلمين ورسم سياستها، إما بطريقمباشر كما حصل في بعض بلاد الإسلام حينما تولى دنلوب القسيس تلك المهمة فيها أوبطريق غير مباشر عندما يؤدي المهمة نفسها تلاميذ ناجحون درسوا في مدارس دنلوبوتخرجوا فيها فأصبح معظمهم معول هدم في بلاده وسلاحا فتاكا من أسلحة العدو يعملجاهدا على توجيه التعليم توجيها علمانيا لا يرتكز على الإيمان بالله والتصديقبرسوله وإنما يسير نحو الإلحاد ويدعو إلى الفساد.
6-قيام طوائف كبيرة من النصارى واليهود بدراسة الإسلام واللغة العربية وتأليفالكتب وتولي كراسي التدريس في الجامعات حتى أحدث هؤلاءفتنة فكرية كبيرة بينالمثقفين من أبناء الإسلام بالشبه التي يلقنونها لطلبتهم أو التي تمتلئ بها كتبهموتروج في بلاد المسلمين حتى أصبح بعض تلك الكتب مراجع يرجع إليها بعض الكاتبينوالباحثين في الأمور الفكرية أو التاريخية ولقد تخرج على يد هؤلاء المستشرقين منأبناء المسلمين رجال قاموا بنصيب كبير في إحداث الفتنة الكبرى وساعدهم على ذلك مايحاطون به من الثناء، والإعجاب وما يولونه من مناصب هامة في التعليم والتوجيهوالقيادة، فأكملوا ما بدأه أساتذتهم وحققوا ما عجزوا عنه لكونهم من أبناء المسلمينومن جلدتهمينتسبون إليهم ويتكلمون بلسانهم فالله المستعان.
7-انطلاق الجيوش الجرارة من المبشرين الداعين إلى النصرانية بين المسلمينوقيامهم بعملهم ذلك على أسس مدروسة وبوسائل كبيرة عظيمة يجند لها مئات الآلاف منالرجال ولقد تعد لها أضخم الميزانيات وتسهل لها السبل وتذلل لها العقبات((يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِوَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ))[الصف:8]، وإذا كان هذا الجهد منصبا علىالطبقة العاميةغالبا فإن جهل الاستشراق موجه إلىالمثقفين كما ذكرت آنفا وأنهم يتحملون مشاق جسامافي ذلك العمل في بلاد إفريقيا وفي القرى النائية من أطراف البلدان الإسلامية في شرقآسيا وغيرها ثم هم بعد كل حين يجتمعون في مؤتمرات يراجعون حسابهم وينظرون في خططهمفيصححون ويعدلون ويبتكرون فلقد اجتمعوا في القاهرة سنة 1906 م. وفي ادنمبرج سنة1910م وفي لكنوا سنة 1911م وفي القدس عام 1935م وفي القدسكذلك في عام 1935م ولازالوا يوالون الاجتماعات والمؤتمرات فسبحان من بيده ملكوت كل شيء وإليه يرجع الأمركله.
8-الدعوة إلى إفساد المجتمع المسلموتزهيد المرأة في وظيفتها في الحياة وجعلهاتتجاوز الحدود التي حد الله لها وجعل سعادتها في الوقوف عندها وذلك حينما يلقون بينالمسلمين الدعوات بأساليب شتى وطرق متعددة إلى أنتختلط النساء بالرجال وإلى أنتشتغل النساء بأعمال الرجال، يقصدون من ذلكإفساد المجتمع المسلم والقضاء علىالطهروالعفاف الذي يوجد فيه وإقامة قضايا وهمية ودعاوى باطلة في أن المرأة في المجتمعالمسلم قد ظلمت وأن لها الحق في كذا وكذا ويريدون إخراجها من بيتها وإيصالها إلىحيث يريدون في حين أن حدود الله واضحة وأوامره صريحة وسنة رسول اللهصلى الله عليه وعلى آله وسلم جلية بينة يقول اللهسبحانه وتعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَوَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا))[الأحزاب:59]، ويقول سبحانه: ((وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّوَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ))[النور:31] الآية. ويقول((وَإَِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِحِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ))[الأحزاب:53]، ويقول: ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى))[الأحزاب:33]، ويقولصلى الله عليه وعلى آله وسلم : ((إياكم والدخول على النساء قال رجل منالأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال الحمو الموت))، وقال: ((لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما))
9-إنشاء الكنائس والمعابد وتكثيرها في بلاد المسلمين وصرف الأموال الكثيرةعليها وتزيينها وجعلها بارزة واضحة في أحسن الأماكن وفي أكبر الميادين.
10-تخصيص إذاعات موجهة تدعو إلى النصرانية وتشيد بأهدافها وتضلل بأفكارها أبناءالمسلمين السذجالذين لم يفهموا الإسلام ولم تكن لهم تربية كافية عليه وخاصة فيإفريقيا حيث يصاحب هذا الإكثار من طبع الأناجيل وتوزيعها في الفنادق وغيرها وإرسالالنشرات التبشيرية والدعوات الباطلة إلى الكثير من أبناء المسلمين.
هذه بعض الوسائل التي يسلكها أعداء الإسلام اليوم في سبيلغزو أفكار المسلمينوتنحية الأفكار السليمة الصالحة لتحل محلها أفكار أخرى غريبة شرقية أو غربية، وهيكما نرى جهودا جبارة وأموالا طائلة وجنودا كثيرين، كل ذلك لإخراج المسلمين منالإسلام وإن لم يدخلوا في النصرانية أو اليهودية أو الماركسيةإذ يعتقد القوم أنالمشكلة الرئيسية في ذلك هي إخراجهم من الإسلام، وإذا تم التوصل إلى هذه المرحلةفما بعدها سهل وميسور، ولكننا مع هذا نقول إن الله سيخيب آمالهم ويبطل مكرهم ويضعفكيدهم، لأنهم مفسدون وهو سبحانه لا يصلح عمل المفسدين.
قال الله تعالى((وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُالْمَاكِرِينَ))[الأنفال:30]، وقال سبحانه:((إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًاوَأَكِيدُ كَيْدًا فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا))[الطارق:15-17]، وإنالأمريحتاج من المسلمين وقفة عقل وتأمل ونظر في الطريق التي يجب أن يسلكوهاوالموقف المناسب الذي يجب أن يقفوه وأن يكون لهم من الوعي والإدراك ما يجعلهمقادرين على فهم مخططات أعدائهم وعاملين على إحباطها وإبطالها ولن يتم لهم ذلك إلابالاستعصام بالله والاستمساك بهديه والرجوع إليه والإنابة له والاستعانة به، وتذكرهديه في كل شيء وخاصة في علاقة المؤمنين بالكافرين، وتفهم معنى سورة الكافرون، وماذكره سبحانه في قوله : ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَىحَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ))[البقرة:120]، وقوله: ((وَلايَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُو ))[البقرة:217].
أسأل الله سبحانه أن يهيئ لهذه الأمة من أمرها رشدا وأن يعيذها من مكايد أعدائهاويرزقها الاستقامة في القول والعمل حتى تكون كما أراد الله لها من العزة والقوةوالكرامة، إنه خير مسئول وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الغزو الفكري
أسئلة وأجوبة
الإمام الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله
مكتب الدعوة و الإرشاد بسلطانة*
س1:ما هو تعريفالغزو الفكري في رأيكم؟
ج:الغزو الفكري هو مصطلح حديث يعني مجموعة الجهود التي تقوم بها أمة من الأممللاستيلاء على أمة أخرى أو التأثير عليها حتى تتجه وجهة معينة. وهو أخطر من الغزوالعسكري؛ لأن الغزو الفكري ينحو إلى السرية وسلوك المسارب الخفية في بادئ الأمر فلاتحس به الأمة المغزوة ولا تستعد لصده والوقوف في وجهه حتى تقع فريسة له وتكوننتيجته أن هذه الأمة تصبح مريضة الفكر والإحساس تحب ما يريده لها عدوها أن تحبهوتكره ما يريد منها أن تكرهه. وهو داء عضال يفتك بالأمم ويذهب شخصيتها ويزيل معانيالأصالة والقوة فيها والأمة التي تبتلى به لا تحس بما أصابها ولا تدري عنه ولذلكيصبح علاجها أمرا صعبا وإفهامها سبيل الرشد شيئاً عسيراً.
س2: هل يتعرض العرب عامة والمملكة خاصة لهذا النوع منالغزو؟
ج: نعم يتعرضالمسلمون عامة ومنهم العرب لغزو فكري عظيم تداعت به عليهم أممالكفر من الشرق والغرب ومن أشد ذلك وأخطره:
1-الغزو النصراني الصليبي.
2-الغزو اليهودي.
3-الغزو الشيوعي الإلحادي.
أما الغزو النصراني الصليبي فهو اليوم قائم على أشده، ومنذ أن انتصر صلاح الدينالأيوبي على الصليبيين الغازين لبلاد المسلمين بالقوة والسلاح أدرك النصارى أنحربهم هذه وإن حققت انتصارات، فهي وقتية لا تدوم؛ ولذا فكروا في البديل الأفضلوتوصلوا بعد دراسات واجتماعات إلى ما هو أخطر من الحروب العسكرية وهو أن تقوم الأممالنصرانية فرادى وجماعات بالغزو الفكري لناشئة المسلمين؛ لأن الاستيلاء على الفكروالقلب أمكن من الاستيلاء على الأرض فالمسلم الذي لم يلوث فكره لا يطيق أن يرىالكافر له الأمر والنهي في بلده؛ ولهذا يعمل بكل قوته على إخراجه وإبعاده ولو دفعفي سبيل ذلك حياته وأغلى ثمن لديه، وهذا ما حصل بعد الانتصارات الكبيرة للجيوشالصليبية الغازية، أما المسلم الذي تعرض لذلك الغزو الخبيث فصار مريض الفكر عديمالإحساس فإنه لا يرى خطرا في وجود النصارى أو غيرهم في أرضه بل قد يرى أن ذلك منعلامات الخير ومما يعين على الرقي والحضارة، وقد استغنى النصارى بالغزو الفكري عنالغزو المادي؛ لأنه أقوى وأثبت وأي حاجة لهم في بعث الجيوش وإنفاق الأموال مع وجودمن يقوم بما يريدون من أبناء الإسلام عن قصد أو عن غير قصد وبثمن أو بلا ثمن؛ ولذلكلا يلجئون إلى محاربة المسلمين علانية بالسلاح والقوة إلا في الحالات النادرةالضرورية التي تستدعي العجل كما حصل في غزو أوغندة أو باكستان أو عندما تدعو الحاجةإليها لتثبيت المنطلقات وإقامة الركائز وإيجاد المؤسسات التي تقوم بالحرب الفكريةالضروس كما حصل في مصر وسوريا والعراق وغيرها قبل الجلا.
أما الغزو اليهودي فهو كذلك؛ لأن اليهود لا يألون جهداً في إفساد المسلمين فيأخلاقهم وعقائدهم، ولليهود مطامع في بلاد المسلمين وغيرها، ولهم مخططات أدركوابعضها ولا زالوا يعملون جاهدين لتحقيق ما تبقى، وهم إن حاربوا المسلمين بالقوةوالسلاح واستولوا على بعض أرضهم فإنهم كذلك يحاربونهم في أفكارهم ومعتقداتهم؛ ولذلكينشرون فيهم مبادئ ومذاهب ونحلا باطلة كالماسونية والقاديانية والبهائية والتيجانيةوغيرها ويستعينون بالنصارى وغيرهم في تحقيق مآربهم وأغراضهم.
أما الغزو الشيوعي الإلحادي فهو اليوم يسري في بلاد الإسلام سريان النار فيالهشيم نتيجة للفراغ وضعف الإيمان في الأكثرية وغلبة الجهل وقلة التربية الصحيحةوالسليمة، فقد استطاعت الأحزاب الشيوعية في روسيا والصين وغيرهما أن تتلقف كل حاقدوموتور من ضعفاء الإيمان وتجعلهم ركائز في بلادهم ينشرون الإلحاد والفكر الشيوعيالخبيث وتعدهم وتمنيهم بأعلى المناصب والمراتب فإذا ما وقعوا تحت سيطرتها أحكمتأمرها فيهم، وأدبت بعضهم ببعض وسفكت دماء من عارض أو توقف حتى أوجدت قطعانا من بنيالإنسان حرباً على أممهم، وأهليهم وعذابا على إخوانهم وبني قومهم، فمزقوا بهم أمةالإسلام وجعلوهم جنودا للشيطان يعاونهم في ذلك النصارى واليهود بالتهيئة والتوطئةأحيانا وبالمدد والعون أحيانا أخرى، ذلك أنهم وإن اختلفوا فيما بينهم فإنهم جميعايد واحدة على المسلمين يرون أن الإسلام هو عدوهم اللدود؛ ولذا نراهم متعاونينمتكاتفين بعضهم أولياء بعض ضد المسلمين فالله سبحانه المستعان وهو حسبنا ونعمالوكيل.
س3: ما هي الوسائل التي يستخدمها الغرب لترويج أفكاره؟
ج: الوسائل التي يستخدمها الغرب لترويج أفكاره كثيرة منها:
1-محاولة الاستيلاء على عقول أبناء المسلمين وترسيخالمفاهيم الغربية فيهالتعتقد أن الطريقة الفضلى هي طريقة الغرب في كل شيء سواء فيما يعتقده من الأديانوالنحل أو ما يتكلم به من اللغات أو ما يتحلى به من الأخلاق أو ما هو عليه من عاداتوطرائق.
2-رعايته لطائفة كبيرة من أبناء المسلمين في كل بلد وعنايته بهم وتربيتهم حتىإذا ما تشربواالأفكار الغربية وعادوا إلى بلادهم أحاطهم بهالة عظيمة من المدحوالثناء حتى يتسلموا المناصب والقيادات في بلدانهم وبذلك يروجون الأفكار الغربيةوينشئون المؤسسات التعليمية المسايرة للمنهج الغربي أو الخاضعة له.
3-تنشيطه لتعليم اللغات الغربية في البلدان الإسلامية وجعلهاتزاحم لغةالمسلمين وخاصة اللغة العربية لغة القرآن الكريم التي أنزل الله بها كتابه والتييتعبد بها المسلمون ربهم في الصلاة والحج والأذكار وغيرها، ومن ذلك تشجيعالدعواتالهدامة التي تحارب اللغة العربية وتحاول إضعاف التمسك بها في ديار الإسلامفيالدعوة إلى العامية وقيام الدراسات الكثيرة التي يراد بها تطوير النحو وإفسادهوتمجيد ما يسمونه بالأدب الشعبي والتراث القومي.
4-إنشاءالجامعات الغربيةوالمدارس التبشيرية في بلاد المسلمين ودور الحضانةورياض الأطفال والمستشفيات والمستوصفات وجعلها أوكارا لأغراضه السيئة وتشويقالدراسة فيها عند الطبقة العالية من أبناء المجتمع ومساعدتهم بعد ذلك على تسلمالمراكز القيادية والوظائف الكبيرة حتى يكونوا عونا لأساتذتهم في تحقيق مآربهم فيبلاد المسلمين.
5-محاولة السيطرة علىمناهج التعليم في بلاد المسلمين ورسم سياستها، إما بطريقمباشر كما حصل في بعض بلاد الإسلام حينما تولى دنلوب القسيس تلك المهمة فيها أوبطريق غير مباشر عندما يؤدي المهمة نفسها تلاميذ ناجحون درسوا في مدارس دنلوبوتخرجوا فيها فأصبح معظمهم معول هدم في بلاده وسلاحا فتاكا من أسلحة العدو يعملجاهدا على توجيه التعليم توجيها علمانيا لا يرتكز على الإيمان بالله والتصديقبرسوله وإنما يسير نحو الإلحاد ويدعو إلى الفساد.
6-قيام طوائف كبيرة من النصارى واليهود بدراسة الإسلام واللغة العربية وتأليفالكتب وتولي كراسي التدريس في الجامعات حتى أحدث هؤلاءفتنة فكرية كبيرة بينالمثقفين من أبناء الإسلام بالشبه التي يلقنونها لطلبتهم أو التي تمتلئ بها كتبهموتروج في بلاد المسلمين حتى أصبح بعض تلك الكتب مراجع يرجع إليها بعض الكاتبينوالباحثين في الأمور الفكرية أو التاريخية ولقد تخرج على يد هؤلاء المستشرقين منأبناء المسلمين رجال قاموا بنصيب كبير في إحداث الفتنة الكبرى وساعدهم على ذلك مايحاطون به من الثناء، والإعجاب وما يولونه من مناصب هامة في التعليم والتوجيهوالقيادة، فأكملوا ما بدأه أساتذتهم وحققوا ما عجزوا عنه لكونهم من أبناء المسلمينومن جلدتهمينتسبون إليهم ويتكلمون بلسانهم فالله المستعان.
7-انطلاق الجيوش الجرارة من المبشرين الداعين إلى النصرانية بين المسلمينوقيامهم بعملهم ذلك على أسس مدروسة وبوسائل كبيرة عظيمة يجند لها مئات الآلاف منالرجال ولقد تعد لها أضخم الميزانيات وتسهل لها السبل وتذلل لها العقبات((يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِوَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ))[الصف:8]، وإذا كان هذا الجهد منصبا علىالطبقة العاميةغالبا فإن جهل الاستشراق موجه إلىالمثقفين كما ذكرت آنفا وأنهم يتحملون مشاق جسامافي ذلك العمل في بلاد إفريقيا وفي القرى النائية من أطراف البلدان الإسلامية في شرقآسيا وغيرها ثم هم بعد كل حين يجتمعون في مؤتمرات يراجعون حسابهم وينظرون في خططهمفيصححون ويعدلون ويبتكرون فلقد اجتمعوا في القاهرة سنة 1906 م. وفي ادنمبرج سنة1910م وفي لكنوا سنة 1911م وفي القدس عام 1935م وفي القدسكذلك في عام 1935م ولازالوا يوالون الاجتماعات والمؤتمرات فسبحان من بيده ملكوت كل شيء وإليه يرجع الأمركله.
8-الدعوة إلى إفساد المجتمع المسلموتزهيد المرأة في وظيفتها في الحياة وجعلهاتتجاوز الحدود التي حد الله لها وجعل سعادتها في الوقوف عندها وذلك حينما يلقون بينالمسلمين الدعوات بأساليب شتى وطرق متعددة إلى أنتختلط النساء بالرجال وإلى أنتشتغل النساء بأعمال الرجال، يقصدون من ذلكإفساد المجتمع المسلم والقضاء علىالطهروالعفاف الذي يوجد فيه وإقامة قضايا وهمية ودعاوى باطلة في أن المرأة في المجتمعالمسلم قد ظلمت وأن لها الحق في كذا وكذا ويريدون إخراجها من بيتها وإيصالها إلىحيث يريدون في حين أن حدود الله واضحة وأوامره صريحة وسنة رسول اللهصلى الله عليه وعلى آله وسلم جلية بينة يقول اللهسبحانه وتعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَوَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا))[الأحزاب:59]، ويقول سبحانه: ((وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّوَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ))[النور:31] الآية. ويقول((وَإَِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِحِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ))[الأحزاب:53]، ويقول: ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى))[الأحزاب:33]، ويقولصلى الله عليه وعلى آله وسلم : ((إياكم والدخول على النساء قال رجل منالأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال الحمو الموت))، وقال: ((لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما))
9-إنشاء الكنائس والمعابد وتكثيرها في بلاد المسلمين وصرف الأموال الكثيرةعليها وتزيينها وجعلها بارزة واضحة في أحسن الأماكن وفي أكبر الميادين.
10-تخصيص إذاعات موجهة تدعو إلى النصرانية وتشيد بأهدافها وتضلل بأفكارها أبناءالمسلمين السذجالذين لم يفهموا الإسلام ولم تكن لهم تربية كافية عليه وخاصة فيإفريقيا حيث يصاحب هذا الإكثار من طبع الأناجيل وتوزيعها في الفنادق وغيرها وإرسالالنشرات التبشيرية والدعوات الباطلة إلى الكثير من أبناء المسلمين.
هذه بعض الوسائل التي يسلكها أعداء الإسلام اليوم في سبيلغزو أفكار المسلمينوتنحية الأفكار السليمة الصالحة لتحل محلها أفكار أخرى غريبة شرقية أو غربية، وهيكما نرى جهودا جبارة وأموالا طائلة وجنودا كثيرين، كل ذلك لإخراج المسلمين منالإسلام وإن لم يدخلوا في النصرانية أو اليهودية أو الماركسيةإذ يعتقد القوم أنالمشكلة الرئيسية في ذلك هي إخراجهم من الإسلام، وإذا تم التوصل إلى هذه المرحلةفما بعدها سهل وميسور، ولكننا مع هذا نقول إن الله سيخيب آمالهم ويبطل مكرهم ويضعفكيدهم، لأنهم مفسدون وهو سبحانه لا يصلح عمل المفسدين.
قال الله تعالى((وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُالْمَاكِرِينَ))[الأنفال:30]، وقال سبحانه:((إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًاوَأَكِيدُ كَيْدًا فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا))[الطارق:15-17]، وإنالأمريحتاج من المسلمين وقفة عقل وتأمل ونظر في الطريق التي يجب أن يسلكوهاوالموقف المناسب الذي يجب أن يقفوه وأن يكون لهم من الوعي والإدراك ما يجعلهمقادرين على فهم مخططات أعدائهم وعاملين على إحباطها وإبطالها ولن يتم لهم ذلك إلابالاستعصام بالله والاستمساك بهديه والرجوع إليه والإنابة له والاستعانة به، وتذكرهديه في كل شيء وخاصة في علاقة المؤمنين بالكافرين، وتفهم معنى سورة الكافرون، وماذكره سبحانه في قوله : ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَىحَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ))[البقرة:120]، وقوله: ((وَلايَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُو ))[البقرة:217].
أسأل الله سبحانه أن يهيئ لهذه الأمة من أمرها رشدا وأن يعيذها من مكايد أعدائهاويرزقها الاستقامة في القول والعمل حتى تكون كما أراد الله لها من العزة والقوةوالكرامة، إنه خير مسئول وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.